فصل: باب في احتمال القلب لظاهر الحكم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الخصائص **


  باب في اقتضاء الموضع لك لفظا هو معك

إلا أنه ليس بصاحبك من ذلك قولهم‏:‏ لا رجل عندك ولا غلام لك فلا هذه ناصبة اسمها وهو مفتوح إلا أن الفتحة فيه ليست فتحة النصب التي تتقاضاها لا إنما هذه فتحة بناء وقعت موقع فتحة الإعراب الذي هو عمل لا في المضاف نحو لا غلام رجل عندك والممطول نحو لا خيرا من زيد فيها‏.‏

وأصنع من هذا قولك‏:‏ لاخمس عشر لك فهذه الفتحة الآن فى راء ‏"‏ عشر فتحة بناء التركيب فى هذين الأسمين وهى واقعة موقع فتحة البناء فى قولك‏:‏ لارجل عندك وفتحة لام رجل واقعة موقع فتحة الإعراب فى قولك‏:‏ لاغلام رجل فيها ولا خيرا منك عنده‏.‏

ويدل على أن فتحة راء ‏"‏ عشر ‏"‏ من قولك لا خمسة عشر عندك هى فتحة تركيب الاسمين لا التى تحدثها ‏"‏ لا ‏"‏ فى نحو قولك‏:‏ لا غلام لك أن ‏"‏ خمسة عشر ‏"‏ لا يغيرها العامل الأقوى أعنى الفعل فى قولك جاءني خمسة عشر والجار فى نحو قولك‏:‏ مررت بخمسة عشر‏.‏

فإذا كان العامل الأقوى لا يؤثر فيها فالعامل الأضعف الذي هو ‏"‏ لا ‏"‏ أحجى بألا يغير‏.‏

فعلمت بذلك أن فتحة راء عشر من قولك‏:‏ لا خمسة عشر لك إنما هي فتحة للتركيب لا فتحة للإعراب فصح بهذا أن فتحة راء عشر من قولك‏:‏ لا خمسة عشر لك إنما هي فتحة بناء واقعة موقع حركة الإعراب والحركات كلها من جنس واحد وهو الفتح‏.‏

ومن ذلك قولك‏:‏ مررت بغلامي‏.‏

فالميم موضع جرة الإعراب المستحقة بالباء والكسرة فيها ليست الموجبة بحرف الجر إنما هذه هي التي تصحب ياء المتكلم في الصحيح نحو هذا غلامي ورأيت غلامي فثباتها في الرفع والنصب يؤذنك أنها ليست كسرة الإعراب وإن كانت بلفظها‏.‏

ومن ذلك قولهم‏:‏ يسعني حيث يسعك فالضمة في حيث ضمة بناء واقعة موقع رفع الفاعل‏.‏ فاللفظ واحد التقدير مختلف‏.‏ ومن ذلك قولك‏:‏ جئتك الآن‏.‏ فالفتحة فتحة بناء في الآن وهي واقعة موقع فتحة نصب الظرف‏.‏

ومن ذلك قولك‏:‏ كنت عندك في أمس‏.‏ فالكسرة الآن كسرة بناء‏.‏ وهي واقعة موقع كسرة الإعراب المقتضيها الجر‏.‏

وأما قوله‏:‏ وإني وقفت اليوم والأمس قبله ببابك حتى كادت الشمس تغرب فيروي‏:‏ والأمس جرا ونصبا‏.‏

فمن نصبه فلانه لما عرفه باللام الظاهرة وأزال عنه تضمنه إياها أعربه والفتحة فيه نصبه الظرف كقولك أنا آتيك اليوم وغدا‏.‏

وأما من جره فالكسرة فيه كسرة البناء التي في قولك‏:‏ كان هذا أمس واللام فيه زائدة كزيادتها في الذي والتي وفي قوله‏:‏ ولقد جنيتك أكمؤا وعساقلاً ولقد نهيتك عن بنات الأوبر قال أبو عثمان‏:‏ سألت الأصمعي عن هذا فقال‏:‏ الألف واللام في الأوبر زائدة‏.‏

وإنما تعرف الأمس بلام أخرى مرادةٍ غير هذه مقدرة‏.‏

وهذه الظاهرة ملقاة زائدة للتوكيد‏.‏

ومثله مما تعرف بلام مرادة وظهرت فيه لام أخرى غيرها زائدة قولك‏:‏ الآن‏.‏

فهو معرف بلام مقدرة وهذه الظاهرة فيه زائدة‏.‏

وقد ذكر أبو علي هذا قبلنا وأوضحه وذكرناه نحن أيضاً في غير هذا الموضع من كتبنا‏.‏

وقد ذكرت في كتاب التعاقب في العربية من هذا الضرب نحوا كثيرا‏.‏

فلندعه هنا‏.‏

  باب في احتمال القلب لظاهر الحكم

هذا موضع يحتاج إليه مع السعة ليكون معدا عند الضرورة‏.‏فمن ذلك قولهم‏:‏ أسطر‏.‏

فهذا وجهه أن يكون جمع سطر ككلب وأكلب وكعب وأكعب‏.‏

وقد يجوز أيضاً أن يكون جمع سطر فيكون حينئذ كزمن وأزمن وجبل وأجبل قال‏:‏ إني لأكني بأجبالٍ عن اجلبها وباس أودية عن اسم واديها ومثله أسطار فهذا وجهه أن يكون جمع سطرٍ كجبل وأجبال وقد يجوز أيضاً أن يكون جمع سطر كثلج وأثلاج وفرخ وأفراخ قال الحطيئة‏:‏ ماذا تقول لأفراخٍ بذي مرخٍ زغب الحواصل لا ماءٌ ولا شجر ومثله قولهم‏:‏ الجباية في الخراج ونحوه‏:‏ الوجه أن يكون مصدر جبيته ويجوز أن يكون من جبوته كقولهم‏:‏ شكوته شكاية‏.‏

وأصحابنا يذهبون في قولهم‏:‏ الجباوة إلى أنها مقلوبة عن الياء في جبيت ولا يثبتون جبوت‏.‏

ونحو من ذلك قولهم‏:‏ القنية يجب على ظاهرها أن تكون من قنيت‏.‏

وأما أصحابنا فيحملونها على أنها من قنوت أبدلت لضعف الحاجز - لسكونه - عن الفصل به بين الكسرة وبينها‏.‏

على أن أعلى اللغتين قنوت‏.‏

ومن ذلك قولهم‏:‏ الليل يغسى فهذا يجب أن يكون من غسى كشقى يشقى ويجوز أن يكون من غسا فقد قالوا‏:‏ عسى يغسى وغسا يغسو ويغسى أيضاً وغسا يغسى نحو أبى يأبى وجبا الماء يجباه‏.‏

ومن ذلك زيد مررت به واقفا الوجه أن يكون واقفا حالا من الهاء في به وقد يجوز أن يكون حالا من نفس زيد المظهر ويكون مع هذا العامل فيه ما كان عاملا فيه وهو حال من الهاء ألا ترى أنه قد يجوز أن يكون العامل في الحال هو غير العامل في صاحب الحال ومن ذلك قول الله سبحانه وهو الحق مصدقاً فمصدقاً حال من الحق والناصب له غير الرافع للحق وعليه البيت‏:‏ أنا ابن دارة معروفاً بها نسبي وهل بدارة يا للناس من عار وكذلك عامة ما يجوز فيه وجهان أو أوجه ينبغي أن يكون جميع ذلك مجوزاً فيه‏.‏

ولا يمنعك قوة القوى من إجازة الضعيف أيضاً فإن العرب تفعل ذلك تأنيساً لك بإجازة الوجه الأضعف لتصح به طريقك ويرحب به خناقك إذا لم تجد وجها غيره فتقول‏:‏ إذا أجازوا نحو هذا ومنه بد وعنه مندوحة فما ظنك بهم إذا لم يجدوا منه بدلا ولا عنه معدلا ألا تراهم كيف يدخلون تحت قبح الضرورة مع قدرتهم على تركها ليعدوها لوقت الحاجة إليها‏.‏

فمن ذلك قوله‏:‏ قد أصبحت أم الخيار تدعى على ذنباً كله لم أصنع أفلا تراه كيف دخل تحت ضرورة الرفع ولو نصب لحفظ الوزن وحمى جانب الإعراب من الضعف‏.‏

وكذلك قوله‏:‏ لم تتلفع بفضل مئزرها دعدٌ ولم تغذ دعد في العلب كذا الرواية بصرف دعد الأولى ولو لم يصرفها لما كسر وزنا وأمن الضرورة أو ضعف إحدى اللغتين‏.‏

وكذلك قوله‏:‏ أبيت على معاري فاخرات بهن ملوب كدم العباط هكذا أنشده‏:‏ على معاري بإجراء المعتل مجرى الصحيح ضرورة ولو أنشد‏:‏ على معارٍ فاخرات لما كسر وزنا ولا احتمل ضرورة‏.‏

  باب في أن الحكم للطارىء

اعلم أن التضاد في هذه اللغة جارٍ مجرى التضاد عند ذوي الكلام‏.‏

فإذا ترادف الضدان في شيء منها كان الحكم منهما للطارىء فأزال الأول‏.‏

وذلك كلام التعريف إذا دخلت على المنون حذف لها تنوينه كرجل والرجل وغلام والغلام‏.‏

وذلك أن اللام للتعريف والتنوين من دلائل التنكير‏.‏

فلما ترادفا على الكلمة تضادا فكان الحكم لطارئهما وهو اللام‏.‏

وهذا جارٍ مجرى الضدين المترادفين على المحل الواحد كالأسود يطرأ عليه البياض والساكن تطرأ عليه الحركة فالحكم للثاني منهما‏.‏

ولولا أن الحكم للطارىء لما تضاد في الدنيا عرضان‏.‏

أو إن تضادا أن يحفظ كل ضد محله فيحمي جانبه أن يلم به ضد له فكان الساكن أبدا ساكنا والمتحرك أبدا متحركا والأسود أبدا أسود والأبيض أبدا أبيض لأنه كان كلما هم الضد بوروده على المحل الذي فيه ضده نفى المقيم به الوارد عليه فلم يوجده إليه طريقاً ولا عليه سبيلا‏.‏

ومثل حذف التنوين للام حذف تاء التأنيث لياءى الإضافة كقولك في الإضافة إلى البصرة‏:‏ بصرى وإلى الكوفة‏:‏ كوفى‏.‏

وكذلك حذف تاء التأنيث لعلامته أيضاً نحو ثمرات وجمرات وقائمات وقاعدات‏.‏

وكذلك تغيير الأولى للثانية بالبدل نحو صحراوات وخنفساوات‏.‏

وكذلك حذف ياءي الإضافة لياءيه كقولك في الإضافة إلى البصرى‏:‏ بصرى وإلى الكوفى‏:‏ كوفى وكذلك إلى كرسي‏:‏ كرسي وإلى بختي‏:‏ بختي‏.‏

فتحذف الأوليين للأخريين‏.‏

وكذلك لو سميت رجلا أو امرأة بهندات لقلت في الجمع أيضاً‏:‏ هندات فحذفت الألف والتاء الأوليين للأخريين الحادثتين‏.‏

فإن قلت‏:‏ كيف جاز أن تحذف لفظا وإنما جئت بمثله ولم تزد على ذلك فهلا كان ذلك في الامتناع بمنزلة امتناعهم من تكسير مساجد ونحوه اسم رجل ألا تراهم قالوا‏:‏ لو كسرته لما زدت على مراجعة اللفظ الأول وأن تقول فيه‏:‏ مساجد‏.‏

فالجواب أن علم التأنيث يلحق الكلمة نيفا عليها وزيادة موصولة بها وصورة الاسم قبلها قائمة برأسها وذلك نحو قائمة وعاقلة وظريفة وكذلك حال ياءي الإضافة نحو زيدي وبكري ومحمدي وكذلك ما فيه الألف والتاء نحو هندات وزينبات إنما يلحقان ما يدخلان عليه من عجزه وبعد تمام صيغته فإذا أنت حذفت شيئاً من ذلك فإنك لم تعرض لنفس الصيغة بتحريف وإنما اخترمت زيادة عليها واردة بعد الفراغ من بنيتها فإذا أنت حذفتها وجئت بغيرها مما يقوم مقامها فكأن لم تحدث حدثاً ولم تستأنف في ذلك عملاً‏.‏

وأما باب مفاعل فإنك إن اعتزمت تكسيرها لزمك حذف ألف تكسيرها ونقص المشاهد من صورتها واستئناف صيغة مجددة وصنعة مستحدثة‏.‏

ثم مع هذا فإن اللفظ الأول والثاني واحد وأنت قد هدمت الصورة هدماً ولم تبق لها أمارة ولا رسماً وإنما اقترحت صورة آخرى مثل المستهلكة الأولى‏.‏

وكذلك ما جاء عنهم من تكسير فعل على فعل كالفلك في قول سيبويه‏.‏

لما كسرته على الفلك فأنت إنما غيرت اعتقادك في الصفة فزعمت أن ضمة فاء الفلك في الواحد كضمة دال درج وباء برج وضمتها في الجمع كضمة همزة أسد وأثن جمع أسد ووثن إلا أن صورة فلك في الواحد هي صورته في الجمع لم تنقص منها رسما وإنما استحدثت لها اعتقادا وتوهما‏.‏

وليست كذلك مساجد لأنك لو تجشمت تكسيرها على مساجد أيضاً حذفت الألف ونقصت الصيغة واستحدثت للتكسير المستأنف ألفا أخرى وصورة غير الأولى‏.‏

وإنما ألف مساجد لو اعتزمت تكسيرها كألف عذافر وخرافج وألف تكسيره كألف عذافر وخرافج‏.‏ فهذا فرق‏.‏

ومن غلبة حكم الطارىء حذف التنوين للإضافة نحو غلام زيد وصاحب عمرو‏.‏

وذلك لأنهما ضدان ألا ترى أن التنوين مؤذن بتمام ما دخل عليه والإضافة حاكمة بنقص المضاف وقوة حاجته إلى ما بعده‏.‏

فلما كانت هاتان الصفتان على ما ذكرنا تعادتا وتنافتا فلم يمكن اجتماع علامتيهما‏.‏

وأيضاً فإن التنوين علم للتنكير والإضافة موضوعة للتعريف وهاتان أيضاً قضيتان متدافعتان إلا أن الحكم للطارىء من العلمين وهو الإضافة ألا ترى أن الإفراد أسبق رتبة من الإضافة كما أن التنكير أسبق رتبة من التعريف‏.‏

فاعرف الطريق فإنها مع أدنى تأمل واضحة‏.‏

واعلم أن جميع ما مضى من هذا يدفع قول الفراء في قوله سبحانه ‏{‏إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ‏}‏‏:‏ إنه أراد ياء النصب ثم حذفها لسكونها وسكون الألف قبلها‏.‏

وذلك أن ياء التثنية هي الطارئة على ألف ذا فكان يجب أن تحذف الألف لمكانها‏.‏

  باب في الشيء يرد فيوجب له القياس حكما

ويجوز أن يأتي السماع بضده أيقطع بظاهره أم يتوقف إلى أن يرد السماع بجلية حاله وذلك نحو عنتر وعنبر وحنزقر وحنبتر وبلتع وقرناس‏.‏

فالمذهب أن يحكم في جميع هذه النونات والتاءات وما يجري مجراها - مما هو واقع موقع الأصول مثلها - بأصليته مع تجويزنا أن يرد دليل على زيادة شيء منه كما ورد في عنسل وعنبس ما قطعنا به على زيادة نونهما وهو الاشتقاق المأخوذ من عبس وعسل وكما قطعنا على زيادة نون قنفخر لقولهم‏:‏ امرأة قفاخرية وكذلك تاء تألب لقولهم‏:‏ ألب الحمار طريدته يألبها فكذلك يجوز أن يرد دليل يقطع به على نون عنبر في الزيادة وإن كان ذلك كالمتعذر الآن لعدم المسموع من الثقة المأنوس بلغته وقوة طبيعته ألا ترى أن هذا ونحوه مما لو كان له أصل لما تأخر أمره ولوجد في اللغة ما يقطع له به‏.‏

وكذلك ألف أءةٍ حملها الخليل - رحمه الله - على أنها منقلبة عن الواو حملا على الأكثر ولسنا ندفع مع ذلك أن يرد شيء من السماع يقطع معه بكونها منقلبة عن ياء على ما قدمناه من بعد نحو ذلك وتعذره‏.‏

ويجيء على قياس ما نحن عليه أن تسمع نحو بيت وشيخ فظاهره - لعمري - أن يكون فعلا مما عينه ياء ثم لا يمنعنا هذا أن نجيز كونها فيعلا مما عينه واو كميت وهين‏.‏

ولكن إن وجدت في تصريفه نحو شيوخ وأشياخ ومشيخة قطعت بكونه من باب‏:‏ بيع وكيل‏.‏

غير أن القول وظاهر العمل أن يكون من باب بيع‏.‏

بل إذا كان سيبويه قد حمل سيدا على أنه من الياء تناولا لظاهره مع توجه كونه فعلا مما عينه واو كريح وعيد كان حمل نحو شيخ على أن يكون من الياء لمجيىء الفتحة قبله أولى وأحجي‏.‏

فعلى نحوٍ من هذا فليكن العمل فيما يرد من هذا‏.‏

  باب في الاقتصار في التقسيم على ما يقرب ويحسن لا على ما يبعد ويقبح

وذلك كأن تقسم نحو مروان إلى ما يحتمل حاله من التمثيل له فنقول‏:‏ لا يخلو من أن يكون فعلان أو مفعالا أو فعوالا‏.‏ فهذا ما يبيحك التمثيل في بابه‏.‏

فيفسد كونه مفعالا أو فعوالا أنهما مثالان لم يجيئا وليس لك أن تقول في تمثيله‏:‏ لا يخلو أن يكون مفلان أو مفوالا أو فعوان أو مفوان أو نحو ذلك لأن هذه ونحوها إنما هي أمثلة ليست موجودة أصلا ولا قريبة من الموجودة كقرب فعوال ومفعال من الأمثلة الموجودة الا ترى أن فعوالا أخت فعوال كقرواش وأخت فعوال كعصواد وأن مفعالا أخت مفعال كمحراب وأن كل واحد من مفلان ومفوان وفعوان لا يقرب منه شيء من أمثلة كلامهم‏.‏

وتقول على ذلك في تمثيل أيمن من قوله‏:‏ يبري لها من أيمن وأشمل لا يخلو أن يكون أفعلا أو فعلنا أو أيفلا أو فيعلا‏.‏

فيجوز هذا كله لأن بعضه له نظير وبعضه قريب مما له نظير الا ترى أن أفعلا كثير النظير كأكلب وأفرخ ونحو ذلك وأن أيفلا له نظير وهو أنيق في أحد قولي سيبويه فيه وأن فعلنا يقارب أمثلتهم‏.‏

وذلك فعلن في نحو خلبن وعلجن قال ابن العجاج‏:‏ وخلطت كل دلاثٍ علجن تخليط خرقاء اليدين خلبن وأن فعيلا أخت فيعل كصيرف وفيعل كسيد‏.‏

وأيضاً فقد قالوا‏:‏ أيبلي وهو فيعلي وهيردان وهو فيعلان‏.‏

ولكن لا يجوز لك في قسمته أن تقول‏:‏ لا يخلو أيمن أن يكون أيفعا ولا فعملا ولا أيفما ولا نحو ذلك لن هذه ونحوها أمثلة لا تقرب من أمثلتهم فيجتاز بها في جملة تقسيم المثل لها‏.‏

وكذلك لو مثلت نحو عصي لقلت في قسمته‏:‏ لا يخلو أن يكون فعولا كدلى أو فعيلا كشعير وبعير أو فليعا كقسي وأصلها فعول‏:‏ قووس فغيرت إلى قسو‏:‏ فلوع ثم إلى قسي‏:‏ فليع أو فعلا كطمر‏.‏

وليس لك أن تقول في عصي إذا قسمتها‏:‏ أو فعلياً لأن هذا مثال لا موجود ولا قريب من الموجود إلا أن تقول‏:‏ إنها مقاربة لطمر‏.‏

وتقول في تمثيل إوى من قوله‏:‏ إذا قسمته‏:‏ لا يخلو أن يكون فعولا كثدي أو فعيلا كشعير أو فعيا كمئي إذا نسبت إلى مائة ولم تردد لامها أو فعلا كطمر‏.‏

ولا تقول في قسمتها‏:‏ أو فوعلاً أو إفعلا أو فوياً أو إفلعا أو نحو ذلك لبعد هذه الأمثلة مما جاء عنهم‏.‏

فإذا تناءت عن مثلهم إلى ههنا لم تمرر بها في التقسيم لأن مثلها ليس مما يعرض الشك فيه ولا يسلم الفكر به ولا توهم الصنعة كون مثله‏.‏

  باب في خصوص ما يقنع فيه العموم من أحكام صناعة الإعراب

وذلك كأن تقول في تخفيف همزة نحو صلاءة وعباءة‏:‏ لا تلقى حركتها على الألف لأن الألف لا تكون مفتوحة أبدا‏.‏

فقولك‏:‏ مفتوحة تخصيص لست بمضطر إليه ألا ترى أن الألف لا تكون متحركة أبدا بالفتحة ولا غيرها‏.‏

وإنما صواب ذلك أن تقول‏:‏ لأن الألف لا تكون متحركة أبدا‏.‏

وكذلك لو قلت‏:‏ لأن الألف لا تلقى عليها حركة الهمزة لكان - لعمري - صحيحاً كالأول إلا أن فيه تخصيصاً يقنع منه عمومه‏.‏

فإن قلت‏:‏ استظهرت بذلك للصنعة قيل‏:‏ لا بل استظهرت به عليها ألا ترى أنك إذا قلت‏:‏ إن الألف لا تكون مفتوحة أبدا جاز أن يسبق إلى نفس من يضعف نظره أنها وإن تكن مفتوحة فقد يجوز أن تكون مضمومة أو مكسورة‏.‏

نعم وكذلك إذا قلت‏:‏ إنها لا تلقي عليها حركة الهمزة جاز أن يظن أنها تلقى عليها حركة غير الهمزة‏.‏

فإذا أنت قلت‏:‏ لا يلقى عليها الحركة أو لا تكون متحركة أبدا احتطت للموضع واستظهرت للفظ والمعنى‏.‏

وكذلك لو قلت‏:‏ إن ظننت وأخواتها تنصب مفعوليها المعرفتين - نحو طننت أخاك أباك - لكنت - لعمري - صادقا إلا انك مع ذلك كالموهم به أنه إذا كان مفعولاها نكرتين كان لها حكم غير حكمها إذا كانا معرفتين‏.‏

ولكن إذا قلت‏:‏ ظننت وأخواتها تنصب مفعوليها عممت الفريقين بالحكم وأسقطت الظنة عن المستضعف الغمر وذكرت هذا النحو من هذا اللفظ حراسة له وتقريباً منه ونفياً لسوء المعتقد عنه‏.‏

  باب في تركيب المذاهب

قد كنا أفرطنا في هذا الكتاب تركيب اللغات‏.‏

وهذا الباب نذكر فيه كيف تتركب المذاهب إذا ضممت بعضها إلى بعض وأنتجت بين ذلك مذهبا‏.‏

وذلك أن أبا عثمان كان يعتقد مذهب يونس في رد المحذوف في التحقير وإن غنى المثال عنه فيقول في تحقيرها هارٍ وهو يئر وفي يضع اسم رجل يويضع وفي بالة من قولك ما باليت به بالة‏:‏ بويلية‏.‏

وسيبويه إذا استوفى التحقير مثاله لم يردد ما كان قبل ذلك محذوفاً‏.‏

فيقول هوير ويضيع وبويلة‏.‏

وكان أبو عثمان أيضاً يرى رأي سيبويه في صرف نحو جوارٍ علما وإجرائه بعد العلمية على ما كان عليه قبلها‏.‏

فيقول في رجل أو امرأة اسمها جوارٍ أو غواشٍ بالصرف في الرفع والجر على حاله قبل نقله ويونس لا يصرف ذلك ونحوه علما ويجريه مجرى الصحيح في ترك الصرف‏.‏

فقد تحصل إذا لأبي عثمان مذهب مركب من مذهبي الرجلين وهو الصرف على مذهب سيبويه والرد على مذهب يونس‏.‏

فتقول على قول أبي عثمان في تحقير اسم رجل سميته بيري‏:‏ هذا يرىءٍ كيريع‏.‏

فترد الهمزة على قول يونس وتصرف على قول سيبويه‏.‏

ويونس يقول في هذا‏:‏ يربئى بوزن يريعي فلا يصرف وقياس قول سيبويه يرى فلا يرد وإذا لم يرد لم يقع الطرف بعد كسرة فلا يصرف إذاً كما لا يصرف أحي تصغير أحوي‏.‏

وقياس قول أن يصرف فيقول‏:‏ يريٌ كما يصرف تحقير أحوي‏:‏ أحيٌ‏.‏

فقد عرفت إذاً تركب مذهب أبي عثمان من قولي الرجلين‏.‏

فإن خففت همزة يرىءٍ قلت يريى فجمعت في اللفظ بين ثلاث ياءات والوسطى مكسورة‏.‏

ولم يلزم حذف الطرف للاستثقال كما حذف في تحقير أحوي إذا قلت‏:‏ أحي من قبل أن الياء الثانية ليست ياء مخلصة وإنما هي همزة مخففة فهي في تقدير الهمز‏.‏

فكما لا تحذف في قولك‏:‏ يرىءٍ كذلك لا تحذف في قولك‏:‏ يريى‏.‏

ولو رد عيسى كما رد يونس للزمه ألا يصرف في النصب لتمام مثال الفعل فيقول‏:‏ رأيت يريئ ويريى وأن يصرف في الرفع والجر على مذهب سيبويه حملا لذلك على صرف جوارٍ‏.‏

ومن ذلك قول أبي عمر في حرف التثنية‏:‏ إن الألف حرف الإعراب ولا إعراب فيها وهذا هو قول سيبويه‏.‏

وكان يقول‏:‏ إن انقلاب الألف إلى الياء هو الإعراب‏.‏

وهذا هو قول الفراء أفلا تراه كيف تركب له في التثنية مذهب ليس بواحد من المذهبين الآخرين‏.‏

وقال أبو العباس في قولهم‏:‏ أساء سمعا فأساء جابة‏:‏ إن أصلها إجابة ثم كثر فجرى مجرى المثل فحذفت همزته تخفيفاً فصارت جابة‏.‏

فقد تركب الآن من قوله هذا وقولي أبي الحسن والخليل مذهب طريف‏.‏

وذلك أن أصلها اجوابة فنقلت الفتحة من العين إلى الفاء فسكنت العين وألف إفعالة بعدها ساكنة فحذفت الألف على قول الخليل والعين على قول أبي الحسن جريا على خلافهما المتعالم من مذهبيهما في مقول ومبيع‏.‏

فجابة على قول الخليل إذا ضامه قول أبي العباس فعلة ساكنة العين وعلى قول أبي الحسن إذا ضامه قول أبي العباس فالة‏.‏

أفلا ترى إلى هذه الذي أدى إليه مذهب أبي العباس في هذه اللفظة وأنه قول مركب ومذهب لولا ما أبدعه فيه أبو العباس لكان غير هذا‏.‏

وذلك أن الجابة - على الحقيقة - فعلة مفتوحة العين جاءت على أفعل بمنزلة أرزمت السماء رزمة وأجلب القوم جلبة‏.‏

ويشهد أن الأمر كذا ولا كما ذهب إليه أبو العباس قولهم‏:‏ أطعت طاعة وأطقت طاقة‏.‏

وليس واحدة منهما بمثل ولا كثرت فتجري مجرى المثل فتحذف همزتها إلا أنه تركب من قول أبي العباس فيها إذا سبق على مذهبي الخليل وأبي الحسن ما قدمناه‏:‏ من كونها فعلة ساكنة العين أو فالة كما ترى‏.‏

وكذا كثير من المذاهب التي هي مأخوذة من قولين ومسوقة على أصلين‏:‏ هذه حالها‏.‏

  باب في السلب

نبهنا أبو علي - رحمه الله - من هذا الموضع على ما أذكره وأبسطه لتتعجب من حسن الصنعة فيه‏.‏

اعلم أن كل فعل أو اسم مأخوذٍ من الفعل أو فيه معنى الفعل فإن وضع ذلك في كلامهم على إثبات معناه لا سلبهم إياه‏.‏

وذلك قولك‏:‏ قام فهذا لإثبات القيام وجلس لإثبات الجلوس وينطلق لإثبات الانطلاق وكذلك الانطلاق ومنطلق‏:‏ جميع ذلك وما كان مثله إنما هو لإثبات هذه المعاني لا لنفيها‏.‏

ألا ترى أنك إذا أردت نفي شيء منها ألحقته حرف النفي فقلت‏:‏ ما فعل ولم يفعل ولن يفعل ولا تفعل ونحو ذلك‏.‏

ثم إنهم مع هذا قد استعملوا ألفاظا من كلامهم من الأفعال ومن الأسماء الضامنة لمعانيها في سلب تلك المعاني لا إثباتها‏.‏

ألا ترى أن تصريف ع ج م أين وقعت في كلامهم إنما هو للإبهام وضد البيان‏.‏

ومن ذلك العجم لأنهم لا يفصحون وعجم الزبيب ونحوه لاستتار في ذي العجم ومنه عجمة الرمل لما استبهم منه على سالكيه فلم يتوجه لهم‏.‏

ومنه عجمت العود ونحوه إذا عضضته‏:‏ لك فيه وجهان‏:‏ إن شئت قلت‏:‏ إنما ذلك لإدخالك إياه في فيك وإخفائك له وإن شئت قلت‏:‏ إن ذلك لأنك لما عضضته ضغطت بعض ظاهر أجزائه فغارت في المعجوم فخفيت‏.‏

ومن ذلك استعجمت الدار إذا لم تجب سائلها قال‏:‏ صم صداها وعفا رسمها واستعجمت عن منطق السائل ومنه جرح العجماء جبار لأن البهيمة لا تفصح عما في نفسها‏.‏

ومنه قيل لصلاة الظهر والعصر‏:‏ العجماوان لأنه لا يفصح فيهما بالقراءة‏.‏

وهذا كله على ما تراه من الاستبهام وضد البيان ثم إنهم قالوا‏:‏ أعجمت الكتاب إذا بينته وأوضحته‏.‏

فهو إذاً لسلب معنى الاستبهام لا إثباته‏.‏

ومثله تصريف ش ك و فأين وقع ذلك فمعناه إثبات الشكو والشكوى والشكاة وشكوت واشتكيت‏.‏

فالباب فيه كما تراه لإثبات هذا المعنى ثم إنهم قالوا‏:‏ أشكيت الرجل إذا زلت له عما يشكوه فهو إذاً لسلب معنى الشكوى لا لإثباته أنشد أبو زيد‏:‏ تمد بالأعناق أو تلويها وتشتكي لو أننا نشكيها مس حوايا قلما نجفيها وفي الحديث‏:‏ شكونا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حر الرمضاء فلم يشكنا أي فلم يفسح لنا في إزالة ما شكوناه من ذلك إليه‏.‏

ومنه تصريف م ر ض إنها لإثبات معنى المرض نحو مرض يمرض وهو مريض ومارض ومرضى ومراضى‏.‏

ثم إنهم قالوا‏:‏ مرضت الرجل أي داويته من مرضه حتى أزلته عنه أو لتزيله عنه‏.‏

وكذلك تصريف ق ذ ى إنها لإثبات معنى القذى منه قذت عينه وقذيت وأقذيتها ثم إنهم مع هذا يقولون‏:‏ قذيت عينه إذا أزلت عنها القذى وهذا لسلب القذى لا لإثباته‏.‏

ومنه حكاية الفراء عن أبي الجراح‏:‏ بي إجل فأجلوني أي داووني ليزول عني‏.‏

والإجل‏:‏ وجع في العنق‏.‏

ومن ذلك تصريف أ ث م أين هي وقعت لإثبات معنى الإثم نحو أثم يأثم وآثم وأثيم وأثوم والمأثم وهذا كله لإثباته‏.‏

ثم إنهم قالوا‏:‏ تأثم أي ترك الإثم‏.‏

ومثله تحوب أي ترك الحوب‏.‏

فهذا كله كما تراه في الفعل وفي ذي الزيادة لما سنذكره‏.‏

وقد وجدته أيضاً في الأسماء غير الجارية على الفعل إلا أن فيها معاني الأفعال كما أن مفتاحاً فيه معنى الفتح وخطافاً فيه معنى الاختطاف وسكيناً فيه معنى التسكين وإن لم يكن واحد من ذلك جارياً على الفعل‏.‏

فمن تلك الأسماء قولهم‏:‏ التودية لعودٍ يصر على خلف الناقة ليمنع اللبن‏.‏

وهي تفعلة من ودى يدى إذا سال وجرى وإنما هي لإزالة الودى لا لإثباته‏.‏

فآعرف ذلك‏.‏

ومثله قولهم السكاك للجو هو لسلب معنى تصريف س ك ك ألا ترى أن ذلك للضيق أين وقع‏.‏

منه أذن سكاء أي لاصقة وظليم أسك‏:‏ إذا ضاق ما بين منسميه وبئر سك أي ضيقة الجراب‏.‏

ومنه قوله‏:‏ ومسك سابغةٍ هتكت فروجها يريد ضيق حلق الدرع‏.‏

وعليه بقية الباب‏.‏

ثم قالوا للجو - ولا أوسع منه -‏:‏ السكاك فكأنه سلب ما في غيره من الضيق‏.‏

ومن ذلك قولهم‏:‏ النالة لما حول الحرم‏.‏

والتقاؤهما أن من كان فيه لم تنله اليد قال الله - عز اسمه -‏:‏ ‏{‏وَمَن دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا‏}‏‏.‏

فهذا لسلب هذا المعنى لا لإثباته‏.‏

ومنه‏:‏ المئلاة للخرقة في يد النائحة تشير بها‏.‏

قال لي أبو علي‏:‏ هي من ألوت فقلت له‏:‏ فهذا إذاً من ما ألوت لأنها لا تألو أن تشير بها فتبسم رحمه الله إلي إيماء إلى ما نحن إليه وإثباتاً له واعترافاً به‏.‏

وقد مر بنا من ذلك ألفاظ غير هذه‏.‏

وكان أبو علي رحمه الله يذهب في الساهر إلى هذا ويقول‏:‏ إن قولهم‏:‏ سهر فلان أي نبا جنبه عن الساهرة وهي وجه الأرض قال الله عز وجل‏:‏ ‏{‏فَإِذَا هُم بِالسَّاهِرَةِ‏}‏ فكأن الإنسان إذا سهر قلق جنبه عن مضجعه ولم يكد يلاقي الأرض فكأنه سلب الساهرة‏.‏

ومنه تصريف ب ط ن إنما هو لإثبات معنى البطن نحو بطن وهو بطين ومبطان ثم قالوا‏:‏ رجل مبطن للخميص البطن فكأنه لسلب هذا المعنى قال الهذلي‏:‏

مخطوف الحشا زرم وهذا مثله سواءً‏.‏

وأكثر ما وجدت هذا المعنى من الأفعال فيما كان ذا زيادة ألا ترى أن أعجم ومرض وتحوب وتأثم كل واحد منها ذو زيادة‏.‏

فكأنه إنما كثر فيما كان ذا زيادة من قبل أن السلب معنى حادث على إثبات الأصل الذي هو الإيجاب فلما كان السلب معنى زائداً حادثاً لاق به من الفعل ما كان ذا زيادة من حيث كانت الزيادة حادثة طارئة على الأصل الذي هو الفاء والعين واللام كما أن التأنيث لما كان معنى طارئاً على التذكير احتاج إلى زيادة في اللفظ علماً له كتاء طلحة وقائمة وألفى بشرى وحمراء وسكرى وكما أن التعريف لما كان طارئاً على التنكير احتاج إلى زيادة لفظ به كلام التعريف في الغلام والجارية ونحوه‏.‏

فأما سهر فإن في بابه وإنه خرج إلى سلب أصل الحرف بنفسه من غير زيادة فيه فلك فيه إن شئت قلت‏:‏ إنه وإن عري من زيادة الحروف فإنه لم يعر من زيادة ما هو مجارٍ للحرف وهو ما فيه من الحركات‏.‏

وقد عرفت من غير وجهٍ مقاربة الحروف للحركات والحركات للحروف فكأن في سهر ألفاً وياء حتى كأنه ساهير فكأنه إذاً ليس بعار من الزيادة إذ كان فيه ما هو مضارع للحرف أعني الحركة‏.‏

فهذا وجه‏.‏

وإن شئت قلت‏:‏ خرج سهر منتقلاً عن أصل بابه إلى سلب معناه منه كما خرجت الأعلام عن شياع الأجناس إلى خصوصها بأنفسها لا بحرف يفيد التعريف فيها ألا ترى أن بكراً وزيداً ونحوهما من الأعلام إنما تعرفه بوضعه لا بلام التعريف فيه كلام الرجل والمرأة وما أشبه ذلك‏.‏

وكما أن ما كان مؤنثاً بالوضع كذلك أيضاً نحو هند وجملٍ وزينب وسعاد فاعرفه‏.‏

ومثل سهر في تعريه من الزيادة قوله‏:‏ يخفي النراب بأظلاف ثمانية ومن ذي الزيادة منه قولهم‏:‏ أخفيت الشيء أي أظهرته‏.‏

وأنا أرى أن في هذا الموضع من العربية ما أذكره لك وهو أن هذا المعنى الذي وجد في الأفعال من الزيادة على معنى الإثبات بسلبه كأنه مسوق على ما جاء من الأسماء ضامناً لمعنى الحرف كالأسماء المستفهم بها نحوكم ومن وأي وكيف ومتى وأين وبقية الباب‏.‏

فإن الاستفهام معنى حادث فيها على ما وضعت له الأسماء من إفادة معانيها‏.‏

وكذلك الأسماء المشروط بها‏:‏ من وما وأي وأخواتهن فإن الشرط معنى زائد على مقتضاهن‏:‏ من معنى الأسمية‏.‏

فأرادوا ألا تخلو الأفعال من شيء أنيث لما كان معنى طارئاً على التذكير احتاج إلى زيادة في اللفظ علماً له كتاء طلحة وقائمة وألفى بشرى وحمراء أامن هذا الحكم - أعني تضمنها معنى حرف النفي - كما تضمن الأسماء معنى حرف الإستفهام ومعنى حرف الشرط ومعنى حرف التعريف في أمس والآن ومعنى حرف الأمر في تراك وحذار وصه ومه ونحو ذلك‏.‏

وكأن الحرف الزائد الذي لا يكاد ينفك منه أفعال السلب يصير كأنه عوض من حرف السلب‏.‏

وأيضاً فإن الماضي وإن عرى من حرف الزيادة فإن المضارع لا بد له من حرف المضارعة والأفعال كلها تجري مجرى المثال الواحد‏.‏

فإذا وجد في بعضها شيء فكأنه موجود في بقيتها‏.‏

وإنما جعلنا هذه الأفعال في كونها ضامنة لمعنى حرف النفي ملحقة بالأسماء في ذلك وجعلنا الأسماء أصلا فيه من حيث كانت الأسماء أشد تصرفاً في هذا ونحوه من الأفعال إذ كانت هي الأول والأفعال توابع وثوانٍ لها وللأصول من الاتساع والتصرف ما ليس للفروع‏.‏

فإن قيل‏:‏ فكان يجب على هذا أن يبنى من الأسماء ما تضمن هذا المعنى وهو ما ذكرته‏:‏ من التودية والسكاك والنالة والمئلاة وأنت ترى كلا من ذلك معربا‏.‏

قيل‏:‏ الموضع في هذا المعنى من السلب إنما هو للفعل وفيه كثرته فلما لم يؤثر هذا المعنى في نفس الفعل كان ألا يؤثر فيما هو محمول عليه أولى و أحرى بذلك‏.‏

فإن قيل‏:‏ وهلا أثر هذا المعنى في الفعل أصلا كما يؤثر تضمن معنى الحرف في الاسم‏.‏

قيل‏:‏ البناء لتضمن معنى الحرف أمر يخص الاسم ككم وأين وكيف ومتى ونحو ذلك والأفعال لا تبنى لمشابهتها الحروف‏.‏

أما الماضي فلأن فيه من البناء ما يكفيه وكذلك فعل الأمر العارى من حروف المضارعة نحو افعل‏.‏

وأما المضارع فلأنه لما أهيب به ورفع عن ضعة البناء إلى شرف الإعراب لو يروا أن يتراجعوا به إليه وقد انصرفوا به عنه لئلا يكون ذلك نقصا‏.‏

فإن قلت‏:‏ فقد بنوا من الفعل المعرب ما لحقته نون التوكيد نحو لتفعلن‏.‏

قيل‏:‏ لما خصته النون بالاستقبال ومنعته الحال التي المضارع أولى بها جاز أن يعرض له البناء‏.‏

وليس كذلك السين وسوف لأنهما لم يبينا معه بناء نون التوكيد فيبنى هو وإنما هما فيه كلام التعريف الذي لا يوجب بناء الاسم فاعرفه‏.‏

  باب في وجوب الجائز

وذلك في الكلام على ضربين‏:‏ أحدهما أن توجبه الصنعة فلا بد إذاً منه‏.‏

والآخر أن تعتزمه العرب فتوجبه وإن كان القياس يبيح غيره‏.‏

الأول من ذلك كأن تقول في تحقير أسود‏:‏ أسيد‏.‏

وإن شئت صححت فقلت‏:‏ أسيود‏.‏

والإعلال فيه أقوى لا جتماع الياء والواو وسبق الأولى منهما بالسكون‏.‏

وكذلك جدول تقول فيه‏:‏ جديل‏.‏

وإن شئت صححت فقلت‏:‏ جديول‏.‏

فإذا صرت إلى تحقير نحو عجوز ويقوم اسم رجل قلت بالإعلال لا غير‏:‏ عجيز ويقيم‏.‏

وفي مقام‏:‏ مقيم البتة‏.‏

وذلك أنك إنما كنت تجيز أسيود وجديولا لصحة الواو في الواحد وظهورها في الجمع نحو أساود وجداول‏.‏

فأما مقام يقوم علماً فإن العين وإن ظهرت في تكسيرهما - وهو مقاوم ويقاوم - فإنها في الواحد معتلة ألا ترى أنها في مقام مبدلة وفي يقوم مضعفة بالإسكان لها ونقل الحركة إلى الفاء عنها‏.‏

فإذا كنت تختار فيما تحركت واو واحدة وظهرت في جمعه الإعلال صار القلب فيما ضعفت واوه بالقلب وبألا تصح في جمعه واجباً لا جائزاً وأما واو عجوز فأظهر أمراً في وجوب الإعلال من يقوم ومقام لأنها لاحظ لها في الحركة ولا تظهر أيضاً في التكسير إنما تقول‏:‏ عجائز ولا يجوز عجاوز على كل حال‏.‏

وكذلك تقول‏:‏ ما قام إلا زيداً أحدٌ فتوجب النصب إذا تقدم المستثنى إلا في لغة ضعيفة‏.‏

وذلك أنك قد كنت تجيز‏:‏ ما قام أحد إلا زيداً فلما قدمت المستثنى لم تجد قبله ما تبدله منه فأوجبت من النصب له ما كان جائزاً فيه‏.‏

ومثله‏:‏ فيما قائماً رجل‏.‏

وهذا معروف‏.‏

الثاني منهما وهو اعتزام أحد الجائزين‏.‏

وذلك قولهم‏:‏ أجنة في الوجنة‏.‏

قال أبو حاتم‏:‏ ولا يقولون‏:‏ وجنة وإن كانت جائزة‏.‏

ومثله قراءة بعضهم‏:‏ إن يدعون من دونه إلا أثناً وجمع وثن ولم يأت فيه التصحيح‏:‏ وثن‏.‏

فأما أقتت ووقتت ووجوه وأجوه وأرقة وورقة ونحو ذلك فجميعه مسموع‏.‏

ومن ذلك قوله‏:‏ وفوارسٍ كأوار ح ر النار أحلاس الذكور فذهب الكسائي فيه إلى أن أصله وآر وأنه فعال من وأرت النار إذا حفرت لها الإرة فخففت الهمزة فصارت لفظاً إلى ووار فهمزت الفاء البتة فصارت‏:‏ أوار‏.‏

ولم يأت منهم على فأما قول الخليل في فعل من وأيت إذا خففته‏:‏ أويٌ فقد رده أبو الحسن وأبو عثمان وما أبيا منه عندي إلا مأبياً‏.‏

وكذلك البرية فيمن أخذها من برأ الله الخلق - وعليه أكثر الناس - والنبي عند سيبويه ومن تبعه فيه والذرية فيمن أخذها من ذرأ الله الخلق‏.‏

وكذلك ترى وأرى ونرى ويرى في أكثر الأمر والخابية ونحو ذلك مما ألزم التخفيف‏.‏

ومنه ما ألزم البدل وهو النبي - عند سيبويه - وعيد لقولهم‏:‏ أعياد وعييد‏.‏

ومن ذلك ما يبيحه القياس في نحو يضرب ويجلس ويدخل ويخرج‏:‏ من اعتقاب الكسر والضم على كل واحدة من هذه العيون وأن يقال‏:‏ يخرج ويخرج ويدخل ويدخل ويضرب ويضرب ويجلس ويجلس قياساً على ما اعتقبت على عينه الحركتان معاً نحو يعرش ويعرش ويشنق ويشنق ويخلق ويخلق وإن كان الكسر في عين مضارع فعل أولى به من يفعل لما قد ذكرناه في شرح تصريف أبي عثمان فإنهما على كل حال مسموعان أكثر السماع في عين مضارع فعل‏.‏

فاعرف ذلك ونحوه مذهباً للعرب فمهما ورد منه فتلقه عليه‏.‏

  باب في إجراء اللازم مجرى غير اللازم وإجراء غير اللازم مجرى اللازم

الأول منهما كقوله‏:‏ الحمد لله العلي الأجلل وقوله‏:‏ تشكو الوجى من أظللٍ وأظلل وقوله‏:‏ وإن رأيت الحجج الرواددا قواصرا بالعمر أو مواددا ونحو ذلك مما ظهر تضعيفه‏.‏

فهذا عندنا على إجراء اللازم مجرى غير اللازم من المنفصل نحو جعل لك وضرب بكر كما شبه غير اللازم من ذلك باللازم فادغم نحو ضر بكر وجعلك فهذا مشبه في اللفظ بشد ومد واستعد ونحوه مما لزم فلم يفارق‏.‏

ومن ذلك ما حكوه من قول بعضهم‏:‏ عوى الكلب عوية‏.‏

وهذا عندي وإن كان لازماً فإنه أجرى مجرى بنائك من باب طويت فعلة وهو قولك‏:‏ طوية كقولك‏:‏ امرأة جوية ولوية من الجوى واللوى فإن خففت حركة العين فأسكنتها قلت‏:‏ طوية وجوية ولوية فصححت العين ولم تعلها بالقلب والادغام لأن الحركة فيها منوية‏.‏

وعلى ذلك قالوا في فعلان من قويت‏:‏ قويان فإن أسكنوا صححوا العين أيضاً فقالوا‏:‏ قويان ولم يردوا اللام أيضاً وإن زالت الكسرة من قبلها لأنها مرادة في العين فكذلك قالوا‏:‏ عوى الكلب عوية تشبيهًا بباب امرأة جوية ولوية وقويان هذا الذي نحن بصدده‏.‏

فإن قلت‏:‏ فهلا قالوا أيضاً على قياس هذا‏:‏ طويت الثوب طوية وشويت اللحم شوية رجع الجواب الذي تقدم في أول الكتاب‏:‏ من أنه لو فعل ذلك لكان قياسه قياس ما ذكرنا وأنه ليست لعوى فيه مزية على طوى وشوى كما لم يكن لجاشم ولا قاثم مزية يجب لها العدل بهما إلى جشم وقثم على مالك وحاتم إذ لم يقولوا‏:‏ ملك ولا حتم‏.‏

وعلى أن ترك الاستكثار مما فيه إعلال أو استثقال هو القياس‏.‏

ومن ذلك قراءة ابن مسعود‏:‏ فقلا له قولاً ليناً وذلك أنه أجرى حركة اللام ههنا - وإن كانت لازمة - مجراها إذا كانت غير لازمة في نحو قول الله تعالى‏:‏ ‏{‏قُلِ اللَّهُمَّ‏}‏ و ‏{‏قُمِ اللَّيْلَ‏}‏ زيادتنا نعمان لا تنسينها خف الله فينا والكتاب الذي تتلو ويروى ‏"‏ تق الله فينا ‏"‏‏.‏

ويروى‏:‏

تنسينها ا ت ق الله فينا ونحوه ما أنشده أبو زيد من قول الشاعر‏:‏ وأطلس يهديه إلى الزاد أنفه أطاف بنا والليل داجي العساكر فقلت لعمروٍ صاحبي إذ رأيته ونحن على خوٍص دقاقٍ عواسر أي عوى الذئب فسر أنت‏.‏

فلم يحفل الراء فيرد العين التي كانت حذفت لالتقاء الساكنين فكذلك شبه ابن مسعود حركة اللام من قوله‏:‏ فقلا له - وإن كانت لازمة - بالحركة لالتقاء الساكنين في ‏"‏ قل اللهم ‏"‏ و ‏"‏ قم الليل ‏"‏ وحركة الإطلاق الجارية مجرى حركة التقائهما في سر‏.‏

ومثله قول الضبي‏:‏ في فتيةٍ كلما تجمعت ال بيداء لم يهلعوا ولم يخموا يريد‏:‏ ولم يخيموا‏.‏

فلم يحفل بضمة الميم وأجراها مجرى غير اللازم فيما ذكرناه وغيره فلم يردد العين المحذوفة من لم يخم‏.‏

وإن شئت قلت في هذين‏:‏ إنه اكتفى بالحركة من الحرف كما اكتفى الآخر بها منه في قوله‏:‏ وقول الآخر‏:‏

بالذي تردان أي بالذي تريدان‏.‏

وسيأتي هذا في بابه‏.‏

الثاني منهما وهو إجراء غير اللازم مجرى اللازم وهو كثير‏.‏

من ذلك قول بعضهم في الأحمر إذا خففت همزته‏:‏ لحمر حكاها أبو عثمان‏.‏

ومن قال‏:‏ الحمر قال‏:‏ حركة اللام غير لازمة إنما هي لتخفيف الهمزة والتحقيق لها جائز فيها‏.‏

ونحو ذلك قول الآخر‏:‏ قد كنت تخفي حب سمراء حقبةً فبح لان منها بالذي أنت بائح فأسكن الحاء التي كانت متحركة لالتقاء الساكنين في بح الآن لما تحركت للتخفيف اللام‏.‏

وعليه قراءة من قرأ‏:‏ ‏{‏قَالُواْ الآنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ‏}‏ فأثبت واو قالوا لما تحركت لام لان‏.‏

والقراءة القوية قاللان بإقرار الواو على حذفها لأن الحركة عارضة للتخفيف‏.‏

وعلى القول الأول قول الآخر‏:‏ حدبدبي بدبدبي منكم لان إن بني فزارة بن ذيبان قد طرقت ناقتهم بإنسان مشياً سبحان ربي الرحمن أسكن ميم منكم لما تحركت لام لان وقد كانت مضمومة عند التحقيق في قولك‏:‏ منكم الآن فاعتد حركة التخفيف وإن لم تكن لازمة‏.‏

وينبغي أن تكون قراءة أبي عمرو‏:‏‏:‏ ‏{‏ وأنه أهلك عادا لولى ‏}‏ على هذه اللغة وهي قولك مبتدئاً‏:‏ لولى لأن الحركة على هذا في اللام أثبت منها على قول من قال‏:‏ الحمر‏.‏

وإن كان حملها أيضاً على هذا جائزاً لأن الادغام وإن كان بابه أن يكون في المتحرك فقد أدغم أيضاً في الساكن فحرك في شد ومد وفرّ يا رجل وعض ونحو ذلك‏.‏

ومثله ما أنشده أبو زيد‏:‏ ألا يا هند هند بني عميرٍ أرثٌ لان وصلك أم جديد ادغم تنوين رثّ في لام لان‏.‏

ومما نحن على سمته قول الله - عز وجل - ‏{‏لَّكِنَّا هُوَ اللَّهُ رَبِّي‏}‏ وأصله‏:‏ لكن أنا فخففت الهمزة بحذفها وإلقاء حركتها على نون لكن فصارت لكننا فأجرى غير اللازم مجرى اللازم فاستثقل التقاء المثلين متحركين فأسكن الأول وادغم في الثاني فصار‏:‏ لكنا كما ترى‏.‏

وقياس قراءة من قرأ‏:‏ قاللان فحذف الواو ولم يحفل بحركة اللام أن يظهر النونين هنا لأن حركة الثانية غير لازمة فيقول‏:‏ لكننا بالإظهار كما تقول في تخفيف حوأبة وجيئل‏:‏ حوبة ومن ذلك قولهم في تخفيف رؤيا ونؤى‏:‏ رويا ونوى فتصح الواو هنا وإن سكنت قبل الياء من قبل أن التقدير فيهما الهمز كما صحت في ضوٍ ونوٍ تخفيف ضوء ونوء لتقديرك الهمز وإرادتك إياه‏.‏

وكذلك أيضاً صح نحو شى وفىٍ في تخفيف شىء وفىء لذلك‏.‏

وسألت أبا علي - رحمه الله - فقلت‏:‏ من أجرى غير اللازم مجرى اللازم فقال‏:‏ لكنا كيف قياس قوله إذا خفف نحو حوءبة وجيئل أيقلب فيقول‏:‏ حابة وجال أم يقيم على التصحيح فيقول حوبة وجيل فقال‏:‏ القلب هنا لا سبيل إليه‏.‏

وأومأ إلى أنه أغلظ من الادغام فلا يقدم عليه‏.‏

فإن قيل فيما بعد‏:‏ فقد قلبت العرب الحرف للتخفيف وذلك قول بعضهم ريا ورية في تخفيف رؤيا ورؤية وهذا واضح قيل‏:‏ الفرق أنك لما صرت إلى لفظ رويا وروية ثم قلبت الواو إلى الياء فصار إلى ريا ورية إنما قلبت حرفا إلى آخر كأنه هو ألا ترى إلى قوة شبه الواو بالياء وبعدها عن الألف فكأنك لما قلبت مقيم على الحرف نفسه ولم تقلبه لأن الواو كأنها هي الياء نفسها وليست كذلك الألف لبعدها عنهما بالأحكام الكثيرة التي قد أحطنا بها علماً‏.‏

وهذا فرق‏.‏

وما يجري من كل واحد من الفريقين مجرى صاحبه كثير وفيما مضى من جملته كاف‏.‏

  باب في إجراء المتصل مجرى المنفصل وإجراء المنفصل مجرى المتصل

فمن الأول قولهم‏:‏ اقتتل القوم واشتتموا‏.‏

فهذا بيانه نحو من بيان شئت تلك وجعل لك إلا أنه أحسن من قوله‏:‏ الحمد لله العلي الأجلل وهذا لأن إنما يظهر مثله ضرورة وإظهار نحو اقتتل واشتتم مستحسن وعن غير ضرورة‏.‏

وكذلك باب قولهم‏:‏ هم يضربونني وهما يضربانني أجري - وإن كان متصلاً - مجرى يضربان نعم ويضربون نافعاً‏.‏

ووجه الشبه بينهما أن نون الإعراب هذه لا يلزم أن يكون بعدها نون ألا ترى أنك تقول‏:‏ يضربان زيداً ويكرمونك ولا تلزم هي أيضاً نحو لم يضرباني‏.‏

ومن ادغم نحو هذا واحتج بأن المثلين في كلمة واحدة فقال‏:‏ يضرباني وقال تحاجونا فإنه يدغم أيضاً نحو اقتتل فيقول‏:‏ قتل‏.‏

ومنهم من يقول‏:‏ قتل ومنهم من يقول‏:‏ قتل‏.‏

ومنهم من يقول‏:‏ اقتل فيثبت همزة الوصل مع حركة القاف لما كانت الحركة عارضة للنقل أو لالتقاء الساكنين وهذا مبين في فصل الادغام‏.‏

ومن ضد ذلك قولهم‏:‏ ها الله ذا أجرى مجرى دابةٍ وشابةٍ‏.‏

وكذلك قراءة من قرأ ‏{‏ فلا تناجوا ‏}‏ و ‏{‏حَتَّى إِذَا ادَّارَكُواْ فِيهَا‏}‏ ومنه - عندي - قول الراجز - فيما أنشده أبو زيد -‏:‏ من أي يومي من الموت أفرّ أيوم لم يقدر أم يوم قدر كذا أنشده أبو زيد‏:‏ لم يقدر بفتح الراء وقال‏:‏ أراد النون الخفيفة فحذفها وحذف نون التوكيد وغيرها من علاماته جارٍ عندنا مجرى ادغام الملحق في أنه نقض الغرض إذ كان التوكيد من أماكن الإسهاب والإطناب والحذف من مظان الاختصار والإيجاز‏.‏

لكن القول فيه عندي أنه أراد‏:‏ أيوم لم يقدر أم يوم قدر ثم خفف همزة أم فحذفها وألقى حركتها على راء يقدر فصار تقديره أيوم لم يقدرم ثم أشبع فتحة الراء فصار تقديره‏:‏ أيوم لم يقدر ام فحرك الألف لالتقاء الساكنين فانقلبت همزة فصار تقديره أم واختار الفتحة إتباعاً لفتحة الراء‏.‏

ونحو من هذا التخفيف قولهم في المرأة والكمأة إذا خففت الهمزة‏:‏ المراة والكماة‏.‏

وكنت ذاكرت الشيخ أبا علي - رحمه الله - بهذا منذ بضع عشرة سنة فقال‏:‏ هذا إنما يجوز في المتصل‏.‏

قلت له‏:‏ فأنت أبداً تكرر ذكر إجرائهم المنفصل مجرى المتصل فلم يرد شيئاً‏.‏

وقد ذكرت ومن أجراء المنفصل مجرى المتصل قوله‏:‏ وقد بدا هنك من المئزر فشبه هنك بعضد فأسكنه كما يسكن نحو ذلك‏.‏

ومنه‏:‏ فاليوم أشرب غير مستحقب كأنه شبه ر ب غ بعضد‏.‏

وكذلك ما أنشده أبو زيد‏:‏ قالت سليمى اشتر لنا سويقاً وهو مشبه بقولهم في علم‏:‏ علم لأن ‏"‏ ترل ‏"‏ بوزن علم‏.‏

وكذلك ما أنشده أيضاً من قول الراجز‏:‏ فاحذر ولا تكتر كريا أعوجا لأن ‏"‏ ترك ‏"‏ بوزن علم‏.‏

وهذا الباب نحو من الذي قبله‏.‏

وفيه ما يحسن ويقاس وفيه مالا يحسن ولا يقاس‏.‏

ولكلٍّ وجه فاعرفه إلى ما يليه من نظيره‏.‏

في احتمال اللفظ الثقيل لضرورة التمثيل وذلك كقولهم في التمثيل من الفعل في حبنطى‏:‏ فعنلى‏.‏

فيظهرون النون ساكنة قبل اللام‏.‏

وهذا شيء ليس موجوداً في شيء من كلامهم ألا ترى أن صاحب الكتاب قال‏:‏ ليس في الكلام مثل قنرٍ وعنل‏.‏

وتقول في تمثيل عرند‏:‏ فعنل وهو كالأول‏.‏

وكذلك مثال جحنفل‏:‏ فعنلل ومثال عرنقصان‏:‏ فعنللان‏.‏

وهذا لا بد أن يكون هو ونحوه مظهراً ولا يجوز ادغام النون في اللام في هذه الأماكن لأنه لو فعل ذلك لفسد الغرض‏.‏

وبطل المراد المعتمد ألا تراك لو ادغمت نحو هذا للزمك أن تقول في مثل عرندٍ‏:‏ إنه فعل فكان إذاً لا فرق بينه وبين قمدًّ وعتلًّ وصمل‏.‏

وكذلك لو قلت في تمثيل جحنفل‏:‏ إنه فعلل لالتبس ذلك بباب سفرجل وفرزدق وباب عدبس وهملع وعملس‏.‏

وكذلك لو ادغمت مثال حبنطى فقلت‏:‏ فعلى لالتبس بباب صلخدى وجعلبى‏.‏

وذكرت ذرأ من هذا ليقوم وجه العذر فيه بإذن الله‏.‏

وبهذا تعلم أن التمثيل للصناعة ليس ببناء معتمد ألا تراك لو قيل لك‏:‏ ابن من دخل مثل جحنفل لم يجز لأنك كنت تصير به إلى دخنلل فتظهر النون ساكنة قبل اللام وهذا غير موجود‏.‏

فدل أنك في التمثيل لست ببانٍ‏.‏

ولا جاعل ما تمثله من جملة كلام العرب كما تجعله منها إذا بنيته غير ممثل‏.‏

ولو كانت عادة هذه الصناعة أن يمثل فيها من الدخول كما مثل من الفعل لجاز أن تقول‏:‏ وزن جحنفل من دخل الدلالة اللفظية والصناعية والمعنوية باب في الدلالة اللفظية والصناعية والمعنوية اعلم أن كل واحد من هذه الدلائل معتد مراعىً مؤثر إلا أنها في القوة والضعف على ثلاث مراتب‏:‏ فأقواهن الدلالة اللفظية ثم تليها الصناعية ثم تليها المعنوية‏.‏

ولنذكر من ذلك ما يصح به الغرض‏.‏

فمنه جميع الأفعال‏.‏

ففي كل واحد منها الأدلة الثلاثة‏.‏

ألا ترى إلى قام ودلالة لفظه على مصدره ودلالة بنائه على زمانه ودلالة معناه على فاعله‏.‏

فهذه ثلاث دلائل من لفظه وصيغته ومعناه‏.‏

وإنما كانت الدلالة الصناعية أقوى من المعنوية من قبل أنها وإن لم تكن لفظاً فإنها صورة يحملها اللفظ‏.‏

ويخرج عليها ويستقر على المثال المعتزم بها‏.‏

فلما كانت كذلك لحقت بحكمه وجرت مجرى اللفظ المنطوق به فدخلا بذلك في باب المعلوم بالمشاهدة‏.‏

وأما المعنى فإنما دلالته لاحقة بعلوم الاستدلال وليست في حيز الضروريات ألا تراك حين تسمع ضرب قد عرفت حدثه وزمانه ثم تنظر فيما بعد فتقول‏:‏ هذا فعل ولا بد له من فاعل فليت شعري من هو وما هو فتبحث حينئذ إلى أن تعلم الفاعل من هو وما حاله من موضع آخر لا من مسموع ضرب ألا ترى أنه يصلح أن يكون فاعله كل مذكر يصح منه الفعل مجملاً غير مفصل‏.‏

فقولك‏:‏ ضرب زيد وضرب عمرو وضرب جعفر ونحو ذلك شرع سواء وليس لضرب بأحد الفاعلين هؤلاء ولا غيرهم خصوص ليس له بصاحبه كما يخص بالضرب دون غيره من الأحداث وبالماضي دون غيره من الأبنية‏.‏

ولو كنت إنما تستفيد الفاعل من لفظ ضرب لا معناه للزمك إذا قلت‏:‏ قام أن تختلف دلالتهما على الفاعل لاختلاف لفظيهما كما اختلفت دلالتهما على الحدث لاختلاف لفظيهما وليس الأمر في هذا كذلك بل دلالة ضرب على الفاعل كدلالة قام وقعد وأكل وشرب وانطلق واستخرج عليه لا فرق بين جميع ذلك‏.‏

فقد علمت أن دلالة المثال على الفاعل من جهة معناه لا من جهة لفظه ألا ترى أن كل واحد من هذه الأفعال وغيرها يحتاج إلى الفاعل حاجة واحدة وهو استقلاله له وانتسابه إليه وحدوثه عنه أو كونه بمنزلة الحادث عنه على ما هو مبينٌ في باب الفاعل‏.‏

وكان أبو علي يقوى قول أبي الحسن في نحو قولهم‏:‏ إني لأمر بالرجل مثلك‏:‏ إن اللام زائدة حتى كأنه قال‏:‏ إني لأمر برجل مثلك لما لم يكن الرجل هنا مقصوداً معيناً على قول الخليل‏:‏ إنه تراد اللام في المثل حتى كأنه قال‏:‏ إني لأمر برجل المثل لك أو نحو ذلك قال‏:‏ لأن الدلالة اللفظية أقوى من الدلالة واعلم أن هذا القول من أبي علي غير مرضي عندي لما أذكره لك‏.‏

وذلك أنه جعل لفظ اللام دلالة على زيادتها وهذا محال وكيف يكون لفظ الشيء دلالة على زيادته وإنما جعلت الألفاظ أدلة على إثبات معانيها لا على سلبها وإنما الذي يدل على زيادة اللام هو كونه مبهماً لا مخصوصاً ألا ترى أنك لا تفصل بين معنيي قولك‏:‏ إني لأمر بالرجل مثلك وإني لأمر برجل مثلم في كون كل واحد منهما منكوراً غير معروف ولا مومأ به إلى شيء بعينه فالدلالة أيضاً من هذا الوجه كما ترى معنوية كما أن إرادة الخليل اللام في مثلك إنما دعا إليها جريه صفة على شيء هو في اللفظ معرفة فالدلالتان إذاً كلتاهما معنويتان‏.‏

ومن ذلك قولهم للسلم‏:‏ مرقاة وللدرجة مرقاة فنفس اللفظ يدل على الحدث الذي هو الرقىّ وكسر الميم يدل على أنها مما ينقل ويعتمل عليه وبه كالمطرقة والمئزر والمنجل وفتحة ميم مرقاة تدل على أنه مستقر في موضعه كالمنارة والمثابة ولو كانت المنارة مما يجوز كسر ميمها لوجب تصحيح عينها وأن تقول فيها‏:‏ منورة لنه كانت تكون حينئذ منقوصة من مثال مفعال كمروحة ومسورة ومعول ومجول فنفس ر ق ى يفيد معنى الارتقاء وكسرة الميم وفتحتها تدلان على ما قدمناه‏:‏ من معنى الثبات أو الانتقال‏.‏

وكذلك الضرب والقتل‏:‏ نفس اللفظ يفيد الحدث فيهما ونفس الصيغة تفيد فيهما صلاحهما للأزمنة الثلاثة على ما نقوله في المصادر‏.‏

وكذلك اسم الفاعل - نحو قائم وقاعد - لفظه يفيد الحدث الذي هو القيام والقعود وصيغته وبناؤه يفيد كونه صاحب الفعل‏.‏

وكذلك قطع وكسر فنفس اللفظ ها هنا يفيد معنى الحدث وصورته تفيد شيئين‏:‏ أحدهما الماضي والآخر تكثير الفعل كما أن ضارب يفيد بلفظه الحدث وببنائه الماضي وكون الفعل من اثنين وبمعناه على أن له فاعلاً‏.‏

فتلك أربعة معانٍ‏.‏

فاعرف ذلك إلى ما يليه فإنه كثير لكن هذه طريقه‏.‏